جرائم القتل على خلفية ما يسمي الشرف بين المواثيق الدولية والقوانين المحلية

جرائم القتل على خلفية ما يسمي الشرف بين المواثيق الدولية والقوانين المحلية

صلاح عبد العاطي

كفلت كافة الاتفاقيات الدولية حق التمتع بجميع الحقوق والحريات وخاصة الحق في الحياة دون أي تمييز من أي نوع ولا سيما التمييز بسبب الجنس، وبالتالي فان القتل على خلفية الشرف يتعارض وبقوة مع كل التوجهات والاتفاقيات العالمية التي تنادي برفع شان حقوق الإنسان ودعمها وصيانتها وخاصة اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المراة واعلان الامم المتحدة لمناهضة العنف ضد المرأة .

إلا أن نصوص القوانين الجنائية في فلسطين والمجتمع العربي لم تحترم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات خاصة الحق في الحياة عندما افترضت ولاية الرجل على المرأة إلى حد السماح بقتلها بالنص على جواز قتل الرجال للنساء بسبب ما يسمى بالشرف ومنحهم أعذارا مخففة من العقاب.

وبمراجعة موقف التشريعات العربية من القتل على خلفية الشرف فنجدها تصنف إلى اتجاهين: الأول وهو ما أخذت به معظم التشريعات العربية التي ترى في هذا العذر ظرفاً مخففاً للعقاب كالقانون المصري والعراقي والليبي والإماراتي، أما الاتجاه الثاني فتمثله بعض التشريعات العربية التي ترى في هذا العذر سبباً لإباحة القتل ورفع الصفة الجرمية عنه كالتشريع اللبناني والسوري والأردني، حيث اتضح أن التشريعات العربية المختلفة تعتد بهذا العذر من حيث تأثيره الايجابي على عقوبة القتل العمد .

وبهذا يتضح بان القانون لا يحمي المرأة جنائياً من حيث كونها الضحية في مثل تلك الجرائم التي غالباً ما يتم ارتكابها باسم الشرف لإخفاء البواعث الحقيقية للقتل، كما أن القانون غير منصف للمرأة فلم يساوي في العقوبة بينها وبين الرجل، وهذا ما سوف نشير اليه مع التركيز على القوانين السارية في فلسطين.

جرائم القتل على خلفية الشرف في القوانين السارية في فلسطين

تتمثل السياسة التشريعية للمشرع قانون العقوبات الأردني لسنة 1960 المطبق في أراضي الصفة الغربية وقانون العقوبات الانتدابي لسنة 1936 المطبق في قطاع غزة ، في تحقيق الحماية الجنائية من خلال نصوص القانون التي تجرم الأفعال التي تمثل اعتداء على حقوق الإنسان وحرياته وتفرض عقوبات على مرتكبيها، وبالرغم من أن المشرع قد نص على حماية الحق في الحياة للإنسان من خلال تجريم فعل القتل إلا أنه وفي الوقت ذاته قد نص على منح مرتكبي جرائم القتل على خلفية الشرف ما يسمى بالأعذار المخففة وهي ظروف مرتبطة بالجريمة تبقي على الصفة الجرمية للفعل لكنها تخفض العقوبة المقررة له، وأيضا الأعذار المحلة وهي الظروف المرتبطة بالجريمة التي تزيل الصفة الجرمية عن الفعل أي تجعل الفعل مباح، وهذا ما نص عليه المشرع في قانون العقوبات الأردني بخصوص القتل( على خلفية الشرف)، حيث نصت المادة 340-1 من القانون على أن “يمنح العذر المحل من العقاب الرجل الذي يفاجئ زوجته أو إحدى محارمه حال التلبس بالزنا مع شخص آخر فيقدم على قتلهما أو جرحهما أو إيذائهما كليهما أو احدهما”، فيتضح من خلال النص المذكور أن الزوج الذي يقتل زوجته أو إحدى محارمه أو شريكها يعفى من العقاب المقرر لجريمة القتل متى حدث القتل حالة مفاجئته لهما متلبسين بالزنا.

اما قانون العقوبات السارى في قطاع غزة فقد نص في المادة (18) التي يعتمد عليها القضاة للتخفيف من عقوبة جرائم القتل على خلفية ما يسمى بالشرف، حيث تنص المادة المعنونة باسم الضرورة على “جواز قبول المعذرة في ارتكاب فعل أو ترك يعتبر إتيانه جرماً لولا وجود تلك المعذرة إذا كان في وسع الشخص المتهم أن يثبت بأنه ارتكب ذلك الفعل أو الترك درءاً لنتائج لم يكن في الوسع اجتنابها بغير ذلك، والتي لو حصلت لألحقت أذى أو ضرراً بليغاً به أو بشرفه أو ماله أو بنفس أو شرف أشخاص آخرين ممن هو ملزم بحمايتهم أو بمال موضوع في عهدته، ويشترط في ذلك أن لا يكون قد فعل أثناء ارتكابه الفعل أو الترك إلا ما هو ضروري ضمن دائرة المعقول لتحقيق تلك الغاية، وأن يكون الضرر الناجم عن فعله أو تركه متناسباً مع الضرر الذي تجنبه”. فنص المادة كما هو واضح فضفاض، فهو لا ينص على جريمة ضرورة بعينها، الأمر الذي يجعل من عبارة: “لو حصلت لألحقت ضرراً كبيراً في شرفه أو شرف أشخاص آخرين” مدخلا لايجاد الأعذار المخففة للقاتل الذي يرتكب جريمة بحق فتاة أو امرأة من عائلته. وهذا يظهر في تقييم تعامل القضاء الفلسطيني طوال عقد ونيف من الزمن مع قضايا قتل على ما يسمى بجرائم الشرف، حيث ان معظم القضايا التي تم إصدار أحكام فيها كانت عقوباتها مخففة على الجناة، رغم أن القانون يحث على أن تكون ضمن قضايا قتل النساء قضايا قتل عمد فهي لا ينطبق عليها حالة الضرورة أو المفاجأة لأن جميع جرائم القتل على خلفية الشرف لا تحدث في حال تلبس بل بناء على شائعات يسمعها الأب او الاخ قبل التيقن بل بناء على تحريض وأقوال وشائعات مغرضة، وحتى لو تأكد له ذلك فالقانون لا يسمح له بقتلها، وأحياناً يتم القتل لدوافع تتعلق بالإرث، أو الحقد الشخصي.

أما بالنسبة لمشروع قانون العقوبات الفلسطيني والذي لم يقر إلا بالقراءة الأولى وبالرغم من أنه تناول نصوص تعالج القتل على خلفية الشرف بالأعذار المخففة بدلا من الأعذار المحلة أي انه ساوى بين الرجل والمرأة من حيث مفاجأة كل منهما للآخر متلبسا بالزنا، إلا أن نص المادة 235 منه قد قصرت استفادة الزوجة من العذر المخفف في حالة تفاجئها بزوجها متلبسا بالزنا في فراش الزوجية فقط وهذا يترك المجال مفتوحا أمام العقوبة التي يستحقها الرجل إذا وجد في فراش غير فراش الزوجية.

ومما سبق يتضح لنا بان قوانين العقوبات السارية في فلسطين لا زالت تمنح رخصة قانونية للقاتل، فليس أمام القتلة أي رادع قانوني يمنعهم من ارتكاب جرائمهم فهم يتمتعون بحصانة قانونية من خلال الأعذار المخففة والمحلة، فالقاتل يعلم أنه سيقضي بضعة أشهر في السجن أو حتى لن يعاقب بحجة قيامه بعمل بطولي يتمثل بغسل عاره.

ونظرا لاستمرار ظاهرة العنف ضد النساء وبالذات قتل النساء في المجتمعات العربية وفلسطين حيث تشير نتائج اخر مسح اجره جهاز الاحصاء المركزي حول ظاهرة العنف ضد النساء ، بأن 58,6% من النساء اللواتي سبق لهن الزواج تعرضن لحدث واحد من العنف النفسي ، وفيما يتعلق بالعنف الجسدي فقد أشارت 23,5% من النساء اللواتي سبق لهن الزواج إلى أنهن كن قد تعرضن لمرة واحدة على الأقل لعنف جسدي على يد أزواجهن ، كما تشير الاحصائيات الخاصة بالهيئة المستقلة لحقوق الانسان خلال عام 2013 الحالي وحتى نهاية شهر ايلول وقوع (24 )حالة قتل لنساء في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية .

ونتاج استمرار المطالبة بتعديل القوانين وقيام النساء ومؤسسات المجتمع المدني بحملات لمناهضة العنق ضد المرأة ، اتجهت بعض الدول ومنها فلسطين لإدخال بعض التعديلات على قوانينها الجنائية للحد منها ومنعها، فقد أصدر الرئيس الفلسطيني مرسوما تشريعيا في عام 2011، يقضي بإلغاء بعض المواد التي تتعلق بالعذر المحل للقتل على خلفية الشرف في قانون العقوبات الاردني المطبق في الضفة الغربية وقانون العقوبات البريطاني الساري في قطاع غزة والتي كانت تنص على استفادة الرجل من العذر المحلل او المخفف ، الامر الذي ادي سابقا الي استفادة مرتكبو جرائم قتل النساء حيث حصلوا على أحكام مخففة تتراوح بين ثلاثة أشهر والحبس مدة عام الى خمس اعوام، في حين أن القانون يمكن أن يعاقب بالإعدام على جرائم القتل، وبالرغم من حاجة فلسطين الي اقرار قانون عقوبات عصري ، حيث لا تزال القوانين السارية قاصرة عن إيقاع العقوبات المناسبة والرادعة بحق الجناة من مرتكبي تلك الجرائم أو المشاركين فيها أو المحرضين عليها، والتي تجد لها رواج في إطار ثقافة مجتمع ذكوري يمارس التمييز والعنف بحق المرأة ، الامر الذي يساهم في ارتفاع وزيادة جرائم قتل النساء،كما ان التعديلات لا تزال قاصرة من الناحية القانونية والعملية عن الحد من جرائم القتل على خلفية الشرف حيث لم يتم تعديل باقي النصوص حيث اغفال التعديل نص المواد (98، 99، 100) من قانون العقوبات الاردني والتي تشبة الي حد كبير نص المادة ( 18 ) في قانون العقوبات الساري في قطاع غزة والتي شملها التعديل.

ما يستوجب وقفة جادة على المستويين الرسمي والشعبي للتصدي لمثل هذه الجرائم، والتعامل معها كغيرها من الجرائم الماسة بحق الإنسان بالحياة وسلامته الجسدية، واتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية الجادة والعاجلة لمنع تكرارها، وذلك من خلال تعديل النصوص المخففة وإيقاع العقوبات القانونية الرادعة دون إبطاء بحق مقترفي هذه الجرائم، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب.

استنتاجات وتوصيات:

تعد محاربة العنف كظاهرة اجتماعية مسؤولية جماعية يجب أن تتكاتف من خلالها كافة مؤسسات السلطة وأجهزتها ومؤسسات المجتمع المدني وان يتضمن ذلك تعديلا في الأنظمة التشريعية واستحداث أنظمة الحماية القانونية وتغيير الثقافة الاجتماعية، إضافة إلى توعية المرأة بحقوقها الإنسانية وكيفية الدفاع عنها وعدم التسامح والتهاون والسكوت على سلب هذه الحقوق، فمازال هنالك تناقض كبير بين الممارسة والتطبيق فيما يتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة وقد أن الأوان أن تترجم الأقوال والنظريات والدراسات إلى ممارسات على ارض الواقع، عبر نشر ثقافة احترام وتقدير حقوق المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع، من خلال اعتماد مبدأ ان حقوق المرأة حقوق إنسان مع ضرورة مراعاة حماية مصالح النساء الفضلي لدى وضع التشريعات الفلسطينية الخاصة بحماية حقوق المرأة او تعديل القائم منها شريطة مراعاة موائمة التشريعات الفلسطينية مع المواثيق الدولية الخاصة بحماية حقوق المرأة بشكل يضمن إلغاء كافة أنواع التمييز والعنف والإساءة النساء.

والعمل على توفير الحماية القانونية للمرأة على قدم المساواة مع الرجل في كافة المجالات مع التركيز على إيقاع أقصى العقوبات فيما يتعلق بجرائم العنف والقتل على خلفية ما يسمي بشرف العائلة وجرائم الاغتصاب والسفاح، وإيجاد بيوت امان للنساء المعنفات، ومراكز إصلاح قائمة على الأسس السليمة والرعاية الكافية للإناث المتعرضة حقوقهن للانتهاك، وإلغاء بعض النصوص القانونية التي تسمح أو تتساهل مع مرتكبي جرائم “الشرف” أو تسمح بالعنف ضد المرأة, وتشديد العقوبات ضد من يمارس ذلك ومعاقبة من يختفي خلفها ويشجع عليها واعتبارها جرائم قتل عمد ، بحيث لا يعتبر قتل النساء باسم الشرف مسألة خاصة متروكة لتصرف الأسرة أو بالأحرى لذكور الأسرة، بل على النظام القضائي عند البحث في قضايا قتل النساء حتى في حالات الإدعاء بالقتل على خلفية الشرف أن يقوم بتفعيل كافة الإجراءات القانونية والقضائية بكافة مراحلها المختلفة بما في ذلك التحقيق الجنائي وإقامة الدعوى وضمان إتباع هذه الإجراءات على نحو سليم، إضافة إلى مطالبة وزارات الصحة بأن تشرف على تسجيل الوفيات بشكل أكثر تشديداً حتى لا يتاح التملص من قتل النساء من خلال تسجيل وفيات الإناث على أنها قضاءً وقدراً أو بدون تحديد سبب واضح للوفاة.

وختاما مطلوب من جميع المعنيين بقضايا المرأة في المجتمع الفلسطيني، من العمل على إحداث تغيير في طريقة التفكير والاتجاهات السائدة في المجتمع بما يشمل الاسر واللجان العشائرية والرجال وكافة فئات المجتمع نحو قضية قتل النساء، من خلال تكثيف حملات التوعية والتأثير والضغط، بكل الوسائل الإعلامية والعملية اللازمة لتفعيل المشاركة الحقيقية للنساء بالمعني السياسي والاقتصادي والمجتمعي، والضغط من اجل قوانين عصرية، وتضمن حقوق النساء وتصون مكتسباتهن في المجتمع الفلسطيني.